×

التّعلم المدمج بين الواقع والمأمول

التّعلم المدمج بين الواقع والمأمول

ما إن وطئت قدماي أرض المدرسة، ولمحت عيناي طلّابنا يتنقّلون بين فصولها؛ حتّى غمرني شعور بالتّـفاؤل والأمل، ليس في طلّابنا حسب، ولا في معلّمينا الأفاضل، بل في وطن ينهض ويستثير الهمم، ويتغلّب على العوائق والتّحديات. اجتمعت مع معلّمات قسم الموادّ الوطنيّة: اللّغة العربيّة، التّربية الإسلامية، والتّاريخ القطريّ والتّراث، وحضر الاجتماع مديرة المرحلة، ورئيسة القسم، وخمس معلّمات من مرحلتي رياض الأطفال، والمرحلة الابتدائيّة. وقدّم المجتمعون الوصف الآتي للممارسات التّعليميّة في الأكاديميّة:

  • واقع "التّعليم المدمج" في الأكاديميّة.

يمكن تلخيص واقع الحال في الأكاديميّة في ظلّ الظّروف الحاليّة بما يأتي:

أولًا: استشارة أولياء الأمور.

قامت الأكاديميّة بإعداد استبانة، وإرسالها لأولياء أمور الطّلاب؛ لاختيار التّعلّم المناسب لأبنائهم بنوعيه: (نموذج التّعلّم المدرسيّ، أو نموذج التّعلّم الافتراضيّ)، وبعد ذلك اعتمدت صفوف للتّعلّم المدرسيّ، وأخرى للتّعلّم الافتراضيّ. وأدّى التزام المدرسة بتطبيق ضوابط الصّحة والسّلامة، وتنفيذ الإجراءات الاحترازيّة العالية الجودة، إلى إقبال أولياء الأمور على إرسال طلبات لتحويل أبنائهم من التّعلّم الافتراضي إلى التّعلّم المدرسيّ.

ثانيًا: تقسيم الطّلاب.

تمّ تقسيم طلاب المدرسة إلى فئات ثلاث وفق نظام "التّعلّم المدمج"، هي:

 فئات الطّلاب
 رياض الأطفال – الصّفّ الرّابع الصّفّ الرّابع – الصّفّ الخامس  أصحــاب الأعــذار 

 قسّمت هذه الفئة إلى مجموعتين:
مجموعة(أ)، ومجموعة(ب)؛ حيث تحضر
كلّ مجموعة في أيام مختلفة.

 طلاب هذه الفئة يتلقّون تعليمهم وجاهيًّا، أي: داخل المدرسة.  طلاب هذه الفئة يتلقّون تعليمهم عن بعد.

ثالثًا: البرامج الإلكترونيّة الموظّفة في التّعلّم المدمج:

  • اعتمدت الأكاديميّة برنامجي: سيسو (Seesaw) وجوجل ميت Google Meet)) في التّعلّم المدمج لديها، وقد يسّرت الأكاديميّة لأولياء الأمور، والطّلاب التّعامل مع هذين البرنامجين خلال إعداد دليل لأولياء الأمور حول كيفيّة تلقّي أبنائهم التّعليم في كلّ فئة، كما تمّ إعداد دروس نمذجة تبثّ على برنامج سيسو، يطّلع عليها وليّ الأمر، والطّالب لاسيّما في المرحلة التّأسيسيّة؛ ليتمكّن أولياء الأمور من متابعة أبنائهم بطريقة صحيحة، بالإضافة إلى تعريف أولياء الأمور بالاستراتيجيات التي تستخدم في التّعليم المدمج، وتقوم المعلّمات – أيضًا - بتفعيل برامج التّواصل الاجتماعيّ بشكل يوميّ، وإرسال رسائل إيجابيّة حول أهميّة حضور الطّلاب.
  • شجّعت الأكاديميّة طلابها على قراءة القصص أسبوعيًّا خلال منصّة: "أقـرأ بالعربيّة"، كما تمّ تحديد صفوف للنّاطقين بغير العربيّة على ذات المنصّة.

رابعًا: الإجراءات الاحترازيّة:

اتّبعت الأكاديميّة إجراءات احترازيّةً تتعلّق بالأمن والسّلامة طـبـقًا للبرتوكول المتّبع المنصوص عليه من وزارة التّعليم، والتّعليم العالي، من حيث التّـباعد المناسب في المقاعد في الصفوف، والممرّات، ومنطقة الطّعام، إضافةً إلى فصل أدوات الطّلاب، حيث يكون لكلّ طالب أدواته الخاصّة به.

خامسًا: كيفيّة التّدريس.

تـمّ تخصيص حصص التّعلّم الوجاهيّ للمهارات الأساسيّة التي يجب أن يتلقّاها الطّالب في المدرسة، مثل: التآزّر البصريّ الحركي، ومهارات القراءة، والكتابة..، كما تـمّ تخصيص حصص التّعلّم عن بعد للمهارات، والأهداف التي يستطيع الطالب القيام بها خلال الدّروس المصوّرة، والعروض التّقديميّة التي سجّلها المعلّمون، كما يتـمّ - أيضًا - تسجيل الدّروس جميعها حسب الخطّة بشكل تفاعليّ؛ حيث يشعر الطّالب أنّه مع المعلّمة، كأن تقرأ المعلّمة، وتتوقّف لتوقّعها أن الطّالب يقرأ خلفها مع التّشجيع، ثمّ ترسل هذه الدّروس لطلاب التّعلّم عن بعد، وكذلك للطّلاب الغائبين.

سادسًا: الواجبات المنزليّة.

تزمّن الواجبات المنزليّة بزمن محدّد، ثمّ يطلب من الطّالب إنجازها قبل السّاعة الثّالثة عصرًا، والهدف من ذلك أن يقوم الطّالب نفسه بأداء الواجبات، أما من حيث التّخطيط فيتمّ بشكل أسبوعيّ خلال جلسات التّخطيط، والتّحضير، التي حدّدتها إدارة المدرسة لكلّ قسم؛ حيث يتمّ فيها تقسيم الدّروس التي ستقدّم لكلّ فئة سواء أكان داخل الصّفّ أم خارجه. يقدّم المعلّم للطّلبة في الفئات الثلاث المعايير، والمهارات المعتمدة، مع التّركيز على نتاجات التّعلّم المتفق عليها لكلا النّموذجين: المدرسيّ، والافتراضيّ.

  • التّحدّيات التي تواجه الممارسات التّعليميّة:

واجهت الأكاديميّة - كغيرها من الأكاديميّات - العديد من التّحديات، منها:

  • • قلّة أعداد الطّلاب في التّعلّم المدمج، وكثرة الغياب؛ مما يحول دون تحقيق أهداف التّعلّم.
  • • تدخل أولياء الأمور، وتقديم المساعدة للطّالب أثناء التّقييمات المستمرّة؛ مما لا يعكس المستوى الحقيقيّ للطّالب، حيث يعتمد الطّالب على الأهل في تنفيذ المهام، وقد يؤدّي هذا إلى تأخّر الطّالب عن أداء مهامه في الوقت المحدّد.
  • • الفـقـد التّعلّميّ النّاتج عن طول المدّة التي قضاها الطّلاب في البيت (من منتصف مارس، حتّى سبتمبر 2020)؛ إذ كان بعيدًا عن التّعلّم الصّفّي.
  • • تمثّـل صعوبة تطبيق إستراتيجيّات التّعلّم باللّعب، والاستراتيجيات التّشاركيّة - حرصًا على التّباعد الاجتماعيّ - عائقًا أمام تفاعل الطّلاب بشكل جماعيّ؛ حيث لا يوجد تشارك في الألعاب أثناء الاستراحات؛ مما يشعر الطّالب بالملل، ونتيجةً لاعتماد الطّلاب على الحاسوب كبديل عن الكتاب، فقد لاحظ المعلّمون بطء الطّلاب في مهارات الكتابة باللّغة العربيّة على الحاسوب؛ لعدم تدرّبهم عليها قبل ذلك.

  • الاقتراحات، والحلول:

ما تمّ رصده وملاحظته من استعداد الأكاديميّة للتّعلّم المدمج يعبّر عن محاولة التّـكيّف في مواجهة التّحديات التي رافقت تطبيق التّجربة؛ لذا بادرت الأكاديميّة بما يأتي:

  • – تشجيع الطّلاب على قراءة القصص أسبوعيًّا خلال منصّة: "أقرأ بالعربية"، كما تمّ تحديد صفوف للنّاطقين بغير العربيّة على ذات المنصّة.
  • – التّركيز على المهارات الأساسيّة، كالقراءة، والكتابة أثناء وجود الطّلاب في المدرسة، مع مراعاة تطبيق إستراتيجيّات تناسب التّعلّم المدمج، ومن المفيد توظيف إستراتيجيّات كسر الجمود في الموقـف الصّفّي، وتضمينها في التّخطيط والتّنفيـذ، وتدريب الطّلاب على مهارة الكتابة على الحاسوب باللغة العربيّة من قبل المعلّمين في بداية الحصّة خلال الشّهر الأوّل من الدّراسة؛ فهذا سيساهم في تنمية مهارة الكتابة الإلكترونيّة؛ حيث تمّ تقليص وقت الدّوام ليتسنى للطّلاب متابعة مهامهم في المنزل.
  • – توعية أولياء الأمور خلال الاجتماعات، والرّسائل التّوعويّة؛ من أجل تحفيزهم على إرسال أبنائهم إلى الأكاديميّة، وكذلك توعيتهم بأهميّة استقلاليّة الطّلاب في الاعتماد على أنفسهم في حلّ التّكليفات، وإنجاز الواجبات المقررّة في الوقت المحدّد.
  • – تقديم ورش إرشاديّة للطّلاب حول كيفيّة عمل المهام حسب استطاعتهم دون مساعدة الأهل؛ ممّا يعزّز في نفوس الطّلاب الإحساس بالمسؤوليّة.
  • – وقد قدّمت لقسم الموادّ الوطنيّة الاقتراحات الآتية التي قد تساهم بمواجهة تلك التّحديات:
    • 1. تشخيص مهارات الطّلاب؛ لتحديد الفـقـد التّعلّمي الذي حصل خلال المدّة الماضية.
    • 2. بناء خطط علاجيّة مناسبة لكلّ مرحلة.
    • 3. اعتماد معايير ومخرجات تعلّم تناسب التّعلّم المدمج خلال تحديد الأهداف التي يمكن أن يحقّقها الطّالب أثناء التّعليم الوجاهي، والأهداف التي يمكن أن يحقّقها في التّعلّم غير المتزامن.

ويطـلـب منّا في معهد التّطوير التّربوي:

  • إعداد برامج تطوير، ودورات خاصّة لتدريب المعلّمين على طرق التّدريس خلال التّعلّم المدمج.
  • تقديم المشورة، والتّوجيه للمدارس حول كيفيّة تحديد المعاير الهامّة، التي ينبغي أن تدرّس في الصّفّ الوجاهيّ.
  • تقديم المشورة، والتّوجيه للمدارس حول كيفيّة اختيار أدوات التّقييم؛ بحيث تتناسب مع متطلّبات هذه المرحلة، وذلك وفق البيانات، والإحصاءات النّاتجة عن تقييم الطّلاب وتحليلها.

وهنا ينبغي أن نسأل:

  • كيف يتمّ قياس ما تمّ تعلّمه خلال عملية التّعلّم المدمج؟
  • كيف يمكن تصميم المحتوى التّعليميّ، ووضع العديد من المكوّنات التّعليميّة معًا؛ لخدمة هدف واحد مع الأخذ في الحسبان أنّ لكلّ مكوّن إجراءاته، وتجهيزاته؟

وخلاصة القول: إنّ التّعلّم المدمج حديث عهد بالمجتمع، ويطبّق في ظلّ ظروف استثنائيّة من وباء كوفيد-19، وتواجه فيه الأكاديميّة تحديات جمّةً، تتمثّـل في قلّة المعرفة بالتّعلّم المدمج سواءً من ناحية الأهل، أو الطّلاب، وعدم ممارسة المجتمع لهذا النّوع من التّعلّم، وهذا أمر طبيعيّ مع كلّ تجربة جديدة. وقد تكون البداية بخطوات بطيئة، إلا أنّ التّخطيط، وحسن التّنفيذ من إدارة المدرسة، والمتابعة من معهد التّطوير التّربويّ، وإدراك أولياء الأمور لمفهوم التّعلّم المدمج، كلّ ذلك سيكون عونًا على تخطي الصّعاب، واستكمال مسيرة التّعليم.

سارة حمــد الهاجــري

رئيس قسم التاريخ القطري والتراث
معهد التطوير التربوي