×

التّعلّم المدمـج بين الواقع والطّموح

التّعلّم المدمـج بين الواقع والطّموح

جاء التّعلّم المدمـج نتيجة جائحة كورونا، التي غزت العالم نهاية العام الماضي، وأوائل العام الحالي 2019/2020. على الرّغم أنّ التّعلّم المدمـج، هو نوع من التّعلّم الممارس في العديد من البيئات التّعليميّة؛ ذلك أنّه يحّفّز المعلّم على الجمع بين المصادر، والأنشطة المختلفة في بيئات التّعلّم التي يستطيع الطّالب التّفاعل معها، وبناء أفكاره خلالها. فهو عبارة عن برامج تدريبيّة وتعلميّة تمزج بين التّعلّم وجهًا لوجه، والتّعلّم عن بعد وفقًا لما يقتضيه الموقف التّعليميّ؛ حيث يتمّ خلاله توظيف التّكنولوجيا في عمليّة الدّمج بين الأهداف، والمحتوى، والمصادر، وأنشطة التّعلّم، واستراتيجيات توصيل المعلومات؛ لإحداث تفاعل إيجابيّ بين المعلّم واحتياجات الطّالب.

يتمركّز هدفنا حول وصف الواقع العمليّ لتجربة التّعلّم المدمـج في قسم الموادّ الوطنيّة في إحدى أكاديميّات مؤسسة قطر؛ للوقوف على التّحديات، التي قد تحول دون تنفيذ تلك التّجربة على الوجه الأمثل، وتقديم مقترحات مناسبة، وحلول قابلة للتّنفيذ؛ حيث من المتوقّع أن تواجه التّجربة تحديات؛ لأنّها تجربة طارئة على بيئاتنا التّعليميّة على الرّغم من حرص الكوادر الإداريّة، والأكاديميّة على توفير أفضل الظّروف المناسبة لتنفيذ التّعلّم المدمـج بأسلوب علميّ يتماشى مع احتياجات الطّلاب. ولكن ونحن نصف تلك التّجربة، ينبغي علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يأتي:

أولًا: الإمكانات الماديّة، والبشريّة المتاحة في المدرسة، والتي نعني بها البنية التّحتيّة من غرف صفيّة، ومرافق عامّة، وتقنيّات تكنولوجيّة، وكوادر إداريّة وأكاديميّة.

ثانيًا: قدرات المعلّمين، وكفاءتهم في التّعامل مع التّعلّم المدمـج الذي يعدّ طارئًا على مؤسساتنا التّعليميّة.

ثالثًا: ضغوطات ولي الأمر، ومدى تفاعله مع التّعلّم المدمـج؛ بحيث يكون عونًا للمعلّم، وشريكًا حقيقيًّ في التّعلّم المدمـج.

رابعًا: بناء المنهج بأنواعه: المكتوب، والمدرّس، والمقيّم، ومدى ملاءمته لهذا النّوع من التّعلّم.

في ضوء هذه الحقائق تمّت الزّيارة لتلك الأكاديميّة يوم الإثنين الموافق 7 سبتمبر 2020، وكانت لنا لقاءات مع رئيس قسم الموادّ الوطنيّة، وبعض المدرّسين، والطّلاب في الفصول الدّراسيّة، واستمعنا إلى آرائهم جميعًا حول التّعلّم المدمـج.

أولًا: واقع التّعلّم المدمج وتحدياته:

  • – الإعداد والتّخطيط:

المشكلة: بنيت خطط الفصل الأول للعام الأكاديمي 2020/2021 على أنّ التّعلّم سيكون - طيلة الفصل الأول - عن بعد، وعليه فقد بدأ القسم بالبحث عن منصّات تفاعليّة؛ لتوظيفها في التّعلّم عن بعد، ونجح المعلّمون في هذا؛ لكن ظهر لديهم تحد يتمثّل باتّخاذ قرار باعتماد "التّعلّم المدمـج" منذ بداية الفصل الأوّل، وأدّى هذا إلى حدوث ارتباك؛ لعدم إتاحة الفرصة بتعرّف إستراتيجيّات تنفيذ التّعلّم المدمـج، والاطّلاع على تجارب عمليّة، و إستراتيجيّات ملائمة لاحتياجات الطّلاب.

الحل: أعاد القسم النّظر في الخطط جميعها، وجعلها خططًا مرنةً تجمع بين التّعلّم المدمـج، والتّعلّم عن بعد.

  • – العبء الدّراسي:

أدّى توزيع الصّفوف، والموادّ على المدرّسين في القسم؛ بسبب الظّروف الطّارئة إلى:

  • • زيادة العبء الدّراسيّ اليوميّ على المعلّم؛ حيث غدت الحصص متواصلةً طوال اليوم.
  • • اضطرار المعلّم لإعادة شرح الدّرس نفسه في اليوم 4-5 مرّات؛ حيث تمّ تقسيم الصّفّ الواحد إلى خمس شعب، وبعض الصّفوف قسّمت إلى أربع شعب: في كلّ شعبة من 8-10 طلاب.
  • • عدم توفّـر الوقت الكافي؛ لمتابعة الواجبات، والمهام التي كلّف الطّلاب بتقديمها عبر التّعلّم عن بعد.
    • – المنهج:

تأثّر المنهج بشكل كبير؛ بسبب الوقت المخصّص له؛ حيث اعتمد جدول خاصّ لشهر سبتمبر، وآخر لشهر أكتوبر ، وفرض هذا الوضع ما يأتي:

أولًا: لم تخصص أيّة حصّة لطّلاب المستويين: 9، 10 في اللغة العربية، والتّربية الإسلاميّة، كتعلّم مدمج، أو تعلّم عن بعد طيلة شهر سبتمبر.

ثانيًا: لم تعط أيّة حصّة للعلوم الشّرعيّة كتعلّم مدمج في: سبتمبر، وأكتوبر. والاكتفاء بإعطائها عن بعد.

ثالثًا: عدم تضمين جدول شهري: سبتمبر، وأكتوبر لمادتي: التّاريخ، والتّراث القطريّ للمستويات جميعها، وهذا يؤكّد حاجة القسم لمعلّم؛ لتدريس مادتي التّاريخ، والتّراث؛ حيث عوّضت الإدارة هذا العجز بتكليف معلّمي اللغة العربيّة بتدريس المادتين عن بعد بإعطاء الطّلاب واجبات، وأنشطة ومتابعتها. وهذا إجراء مؤقّت لحين تغيّر الأوضاع الصّحيّة؛ لتأخذ كلّ مادة حقها الكامل.

خامسًا: سيجمع القسم بين تدريس منهج وزارة التّعليم والتّعليم العالي، بما نسبته 70% من المعايير المقرّرة في المنهج، وبرنامجي: برنامج السّنوات المتوسّطة و برنامج الدبلوم في البكالوريا الدّوليّة. وهذا يعني أنّ هناك كمًّا هائلًا من المادة في المنهجين.

سادسًا: تمّ تخصيص حصّتين أسبوعيتين للغة العربية طيلة شهر سبتمبر بمعدل 9-8 حصص طيلة الشّهر، وهذا العدد من ساعات التّمدرس غير كاف لتغطية المهارات المطلوبة جميعها.

سابعًا: تخفيض عدد ساعات التمدّرس بشكل كبير جدًّا؛ حيث كان زمن الحصّة سابقًا 50 دقيقةً، أمّا الآن فأصبح 40 دقيقةً. ولا شكّ بأنّ نقص زمن الحصّة، ونقص عدد الحصص، يؤثّران سلبًا على كمّ المادة المقرّر إعطاؤه للطّالب في المستوى الواحد؛ إذ بات من الصّعب تغطية المنهج كلّه.

توجيهات واقتراحات؛ للتّغلّب على التّحديات:

  • ضرورة الدّمج بين منهج الوزارة، ومنهج البرامج الدّوليّة، وذلك بأخذ نصوص من الوحدات الدّراسيّة في منهج الوزارة التي تتوافق مع البرامج الدّوليّة، ومعالجة تلك النّصوص وفق متطلبات البكالوريا الدّوليّة.
  • التّركيز على المحاور الرّئيسة في المنهج المدرّ س سواء أكان منهج الوزارة، أم البرامج الدّوليّة.
  • استثمار حصص عبر الإنترنت استثمارًا يخدم تغطية محاور المنهج، وذلك عن طريق تكليف الطّلاب بتحضير الدّرس مسبقًا قبل حضور الحصص المدمجة؛ لتتمّ مناقشة محاور الدّرس بناءً على تحضير الطّالب.
  • تفعيل مهارة البحث والاستقصاء؛ حيث يكلّف الطّالب بالبحث عن معلومات تتعلّق بأنشطة بعض الدّروس، ثمّ يعرضها على المعلّم للتّوجيه.
  • تفعيل دور البيت في متابعة الطّالب أثناء عمليّة البحث، والاستقصاء، وتحضير الدّروس، وكذلك أثناء قيام الطّالب بأداء المهام، والواجبات المكلّف بها.
  • إعادة النّظر في :
    • – الخطّة الفصليّة لكلّ مستوًى؛ بحيث تؤخذ بعين الاعتبار الظّروف الحاليّة، وهذا يتطلّب أخذ المعايير المهمّة في كلّ مستوًى.
    • – آليّة التّقييم، فيكون تحضير الطّالب ومشاركاته، وأنشطته، والبحث نصيبًا من درجة التّقييم.
    • – إستراتيجيّات التّدريس؛ حيث تعتمد على تفعيل التّكنولوجيا بشكل كبير جدًّا؛ فهذا أدعى لتثبيت المعلومة في ذهن الطّالب، وجعل التّعلّم أكثر رغبةً وفعاليّةً.
    • – تقديم المحاور الرّئيسة في كلّ درس عن طريق أنشطة تفاعليّة يلعب الطّالب فيها دورًا رئيسًا.
  • تقييم المرحلة الأولى من تجربة التّعلّم المدمج في شهر سبتمبر عن طريق استبانة توجّه للمعلّمين تتضمّن أسئلةً محدّدةً، مثل:
    • – هل لاحظت أثرًا بيّنًا للتّعلّم المدمج في تطور مستوى الطّالب في الأنشطة، والتّفاعل، والاستقصاء؟
    • – هل هناك فرق في مستوى التّحصيل في التّعلّم المدمج عمّا كان عليه في التّعليم التّقليدي؟
    • – أيّ النّوعين يساعد على زيادة دافعيّة التّعلّم لدى الطّلاب بشكل أكبر؟
    • – أيّ النّموذجين يؤدّي إلى زيادة الجانبين المعرفيّ، والأدائي لدى الطّالب؟
    • – أيّهما يلبّي الاحتياجات الفرديّة للطّالب بشكل أكبر؟
    • – ما مدى رضا ولي الأمر عن التّعلّم المدمج؟
    • – هل دفع هذا النّوع من التّعلّم ولي الأمر؛ ليكون أكثر فاعليّة، وتشاركيّةً في العمليّة التّعليميّة؟

ونختم دراستنا بتجربة رائدة قام بها رئيس قسم الموادّ الوطنيّة في محاولة منه؛ للتّغلّب على نقص الوقت المخصص للطّالب في حضور الحصص داخل الغرفة الصّفيّة؛ فقد تكون تجربةً جديرةً بالتّقليد؛ حيث أحضر قاعدةً للموبايل أسفلها ثابت، ورأسها متحرّك يًثبّت عليها الموبايل، وأثناء إعطائه الحصّة في المدرسة لصفّ ما يتمّ بثّها مباشرةً لطّالب جالس في البيت؛ إذ يتحرّك الموبايل حسب حركة المعلّم، وفي هذه الأثناء يتابع الطّالب من البيت الحصّة، وكأنّه موجود مع أقرانه، وبذا يزداد تعلّمه.

الدكتور علي أحمد الطوالبة

مستشار أول للغة العربية
معهد التطوير التربوي